تقشير الجمبري.. مهنة تتحدى الفقر وقلة الحيلة في "شكشوك"

كتب: يوسف محمد

في قرية شكشوك في قلب أبشواي بمحافظة الفيوم، حيث تشتهر بتقاليدها الغذائية الغنية، تُعتبر الأسماك والمأكولات البحرية جزءًا لا يتجزأ من النظام الغذائي للسكان المحليين وزوار المنطقة على حد سواء ومن بين هذه الأطعمة الشهية والمحبوبة، يأتي الجمبري بمذاقه اللذيذ وغناه بالبروتينات والعناصر الغذائية الأساسية، لكن بالإضافة إلى ذلك تشتهر شكشوك باستخدامات أخرى لقشر الجمبري حيث يقوم الأهالي بتحويله لعلف طبيعي، وقامت العديد من المشروعات الصغيرة على هذه الصناعة الريفية البسيطة.. في السطور التالية قررنا زيارة القرية لنستكشف معا مدى جدوى هذه الصناعة؟  

يقول ناصر عبدالعظيم صالح، البالغ من العمر 55 سنة، والذي يعمل صيادًا منذ أكثر من 30 عامًا فى مهنة الصيد، إن القرية اشتهرت بقشر الجمبري، لا يوجد منه أي منفعة إطلاقًا غير ذلك، ولا يوجد له أي استخدامات سوى أننا نقوم بتحويله لعلف لإطعام الطيور.

وأضاف ناصر أنه بسبب البطالة المرتفعة فى محافظة الفيوم وتحديدا قرية شكشوك، تقوم سيدات القرية بأخذ كميات من الجمبري من محافظة دمياط ليقوموا بتقشيره وأخذ القشر وإطعامه للحيوانات والطيور واستخدامه كعلف طبيعي دون حصولهم على مكسب مالي جراء هذه الخدمة معلقا “أنها منفعة متبادلة”.

لكن تقشير الجمبري مع الوقت تحول إلى مهنة مربحة، حيث قامت بعض مؤسسات المجتمع المدني بتشجيع سيدات القرية على العمل بمهنة تقشير الجمبري مقابل أجر يومي، وحتى الآن يعمل بالقرية ما يزيد عن 100 سيدة في هذه المهنة، حيث يتم يوميا تقشير ما يزيد عن طن من الجمبري.

حيث تقول بهية عبدالله، 55 سنة، من سيدات القرية: الرزق قليل في البحيرة، ولا توجد أي فرص عمل للشباب، والكثير من الأزواج هجروا القرية للبحث عن مصدر دخل في المحافظات الأخرى، لك ولاد الحلا دلونا على هذه المهنة، حيث يقوم بعض التجار من الصيادين بمحافظة دمياط، والإسكندرية، بتجميع كمية من الجمبري ويقومون بنقله من خلال سيارة قادمة من دمياط إلى الفيوم، ونتسلم من التجار الكمية ونقوم بتقشيرها وإرسالها عن طريق نفس السيارة، ونتقاضى على الكيلو 5 جنيهات.

وأشارت بهية إلى أن القرية تعتمد على مجال الصيد وليس هناك أي تجارة أخرى، وبعد تعرض بحيرة قارون لكارثة تسمم الأسماك دفع ذلك معظم الصيادين للهروب إلى محافظات أخرى للعمل تاركين أسرهم.

وتابعت قائلة: إن بحيرة قارون التي تقع عليها قرية شكشوك لا يوجد بها أي نوع من أنواع الحياة حيث لا يوجد بها جمبري أو حتي أسماك، ملقيًا باللوم على “شركة الملاحات” لإلقائها مواد فسفورية سامة فى البيئة التي تعيش فيها الأسماك والتي أدت بدورها للقضاء على جميع أشكال الحياة البحرية ببحيرة قارون.

سيدة أخرى تدعى حنان السيد، 44 سنة، ربة منزل، التقيناها بالقرية، حيث تعمل في هذا المجال منذ سنوات، وتقول: المهنة كانت مربحة، لكن غلاء أسعار الجمبري قللت من الكميات التي تأتي إلى القرية لتقشيرها، وفي الماضي كان يصل للقرية يوميا طن من الجمبري، لكن الآن الكميات أقل بكثير، ولذلك نطالب المسؤولين بتوفير فرص عمل بديلة لسكان القرية.   

وكشفت زيارتنا لقرية شكشوك عن مشكلات لا حصر لها يعاني منها الأهالي، والذين فقدوا مصدر دخلهم الوحيد تقريبا وهو الصيد، حيث تعاني بحيرة قارون من التلوث المائي الناتج عن تصريف المياه العادمة والصرف الصناعي مما يؤثر سلبًا على جودة المياه والحياة النباتية والحيوانية في البحيرة، بالإضافة الي تراكم النفايات والمخلفات البلاستيكية على ضفاف البحيرة، مما يعيق التنقل للحيوانات المائية ويشكل تهديدًا للبيئة المائية منذ أكثر من 10 سنوات.

بعد سنوات من التهميش والإهمال، بدأت الدولة في استعادة بحيرة قارون بريقها ورونقها، وتخلصت من تراكمات السنين التي أفسدت جمالها وتأثرت بسبب مشاكل عدة فقد كانت البحيرة تحت وطأة مشاكل الصرف غير الصحي والصرف الصناعي، مما أدى إلى ترسب الملوثات الأخرى في أعماقها وتدهور البيئة المحيطة بها ولم يكن ذلك فحسب، بل هجر الكثير من الصيادين إلى محافظات أخرى مثل أسوان وكفر الشيخ بسبب الروائح الكريهة وتفشي الأمراض القاتلة للأسماك، مما أدى إلى تحول الكثير من الصيادين عن مهنتهم التقليدية.

لكن بدأت الجهود الفعلية لإعادة بحيرة قارون إلى سابق عهدها، من خلال خطة طموحة لإعادة التوازن البيئي لها وانطلقت الجهود بتكاتف جميع الوزارات والجهات المعنية، لتطوير البحيرة بشكل علمي حديث يضمن القضاء التام على التلوث بمختلف أنواعه وتهدف هذه الجهود إلى استعادة البحيرة لوضعها الطبيعي، وتعزيز دورها في دعم الاقتصاد القومي وتنشيط حركة السياحة، ورفع مستوى المعيشة والوضع الاجتماعي للصيادين، وتوفير فرص عمل جديدة لهم

 

Scroll to Top