القمامة كنزٌ لا يفنى.. أسرار بزنس إعادة التدوير في حي الزبالين

تحقيق: يوسف محمد - يوسف سامي - يسى روماني

يعمل آلاف الأشخاص في الشوارع الضيقة والحواري المظلمة على جمع النفايات والقمامة بكل اجتهاد وصمت، ويعتبر حي الزبالين أحد أقدم الأحياء في القاهرة الذي يتميز بحواريه الضيقة والمظاهر العشوائية، ويعتبر مركزًا لجمع القمامة وتفريغ النفايات، يتخذ عمال النظافة وجمع القمامة من هذا الحي مقرًا لهم، حيث يبذلون جهودًا مضنية لتنظيف الشوارع والممرات وجمع النفايات، بغض النظر عن الظروف الصعبة التي يعيشونها.

بداية المهنة

عندما ذهبنا للمكان، كان في استقبالنا نقيب جامعي القمامة في مصر، المعلم شحاتة المقدس، والذي يسكن أعلى هضبة في حي الزبالين، حيث يقول: يعود تاريخ مهنة جمع القمامة إلى سنة 1948، عندما نزح الكثير من سكان المحافظات في الصعيد إلى القاهرة، في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي كانت تشهدها مصر، وكانت مصر في تلك الفترة تحت حكم الملك فاروق والجالية البريطانية، حيث كانت مصر تحمل اسم المملكة المصرية وكانت مأهولة بالسكان المختلفين من اليهود والإنجليز وغيرهم.

وتابع بدأ السكان الجدد في القاهرة باستخدام الطرق البدائية لجمع القمامة، حيث كانت تُستخدم عربات تجرها الحمير لنقل النفايات مقابل مليم واحد وكانت هذه البداية هي البداية البسيطة، ثم تطورت لاحقًا لتصبح مهنة حيوية وضرورية في الحياة اليومية لسكان القاهرة وغيرها من المدن المصرية.

وأضاف أنه في البداية، كان عدد عمال جمع القمامة قليلاً جداً، لا يتجاوز مائة شخص في تلك الفترة. وكانوا يعيشون في منطقة نائية فى أول طريق طوخ مصر إسكندرية الزراعي، ومع مرور الزمن، زاد عددهم تدريجياً وبلغ حوالي ألف شخص.

ومع تزايدهم، بدأت الحكومة في النظر إلى ضرورة نقلهم بعيداً عن التكدس العمراني، فقررت نقلهم إلى منطقة إمبابة، المجاورة لمطار إمبابة. وفي إمبابة بلغ عددهم حوالي 36,000 شخص. وفي عام 1969، صدر قرار جمهوري بنقلهم مرة أخرى إلى مناطق جديدة مثل منطقة منشية ناصر أو أسفل جبل المقطم.

أرقام وإحصائيات مهمة

وأشار شحاتة إلى أن عدد عمال جمع القمامة وصل الآن إلى مليون شخص في القاهرة الكبرى، بما في ذلك الجيزة والقاهرة والقليوبية، بينما بلغ عددهم ثلاثة ملايين على مستوى جمهورية مصر العربية، من الإسكندرية إلى أسوان، ويقوم هؤلاء العمال بتجميع ونقل وإعادة تدوير حوالي 16,000 طن من النفايات يوميًا، ومن بين هذه النفايات، يتم استخراج ما يقارب 8,000 طن من المواد الصلبة، مثل الزجاج والكرتون والبلاستيك والألمنيوم والورق والخشب والملابس القديمة. كما يتم فرز هذه المواد بدقة، حيث يتم تصنيف البلاستيك إلى أكثر من 300 نوع، بما في ذلك المياه المعدنية وعلب الزبادي، ويتم إعادة تدويرها في مراحل مختلفة قبل التصنيع، ومن النفايات العضوية، يتم التعامل مع حوالي 6,000 طن منها، حيث يتم استخدام المواد التي لا تزال صالحة كغذاء للخنازير أما المواد غير القابلة لإعادة التدوير والتي تبلغ 2,000 طن فتُدفن بطريقة صحية تحت إشراف ثلاث وزارات، هي البيئة والتنمية المحلية والصحة. ويُقدر توفير الدولة من خلال عمليات إعادة التدوير بما يقارب عشرات الملايين من الدولارات سنويًا في استيراد المواد الصلبة الخام من الخارج.

مقالب الزبالة

وأوضح المقدس شحاتة أن مقلب “شبرامنت” يخدم منطقة الجيزة بأكملها، بينما يخدم مقلب بلبيس منطقة القلوبية بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، يعمل فريق 15 مايو على خدمة القاهرة بأكملها، وقمنا بتقسيم أنفسنا جغرافيًا إلى ست مناطق لخدمة القاهرة الكبرى، ونتبع سياسة التوسع العمراني، حيث تشمل مناطقنا البراجيل وأرض اللواء، ومنطقة خلف مدافن مايو التي تخدم حلوان وتبين والمعصرة وطرة وطرة البلد، ولدينا منطقة أمام سجن طرة الوحدة الوطنية، وهي تخدم المعادي القديمة والتجمعات وحتى مدينة بدر. كما أن لدينا منطقة المقطم التي تخدم وسط وشمال وغرب القاهرة، بالإضافة إلى منطقة الخصوص التي تخدم المطرية وعين شمس والنزهة ومصر الجديدة والمرج، ونحن نفخر بأننا وفينا بوعدنا لتقديم أفضل خدمة، حيث قمنا بالتصدي لتحدي تنظيف مصر تحت شعار “عيب علينا نجيب خواجة ينظف مصر”، بعدما عقدت الحكومة في عهد الرئيس الأسبق مبارك اتفاقيات طويلة المدى مع شركات أجنبية لتنظيف البلاد، لكن دون أي نجاح. لذا، قمنا بتأسيس النقابة في عام 2011، لنكون صوتًا للمصريين في جهود تنظيف بلادهم وأصبحت نقيبا للزبالين، و”قدرنا نشتغل وننظف مصر، وبنعمل فيه صمت حتى في زمن كورونا مبطلناش والحمد لله النهاردة مصر نضيفة بنسبة 90%”.

تأثير المواد المستوردة

وأضاف شحاتة أنه يتم استيراد المواد الأساسية مثل المشتقات البترولية لتصنيع العديد من المنتجات في مصر، ولكن يجب أن ندرك أن هذه المواد تؤثر على جودة المنتج النهائي. فعندما يتم تصنيع المنتجات باستخدام المواد المحلية، قد يفتقر المنتج إلى اللمعان اللازم، بينما يتم إضافة كميات من المواد المستوردة لإضفاء اللمعان والجودة العالية على المنتج النهائي. على سبيل المثال، في حالة كرسي بلاستيكي مصنوع بالكامل من المواد المحلية، قد يظهر بشكل باهت، لكن إضافة بعض المواد المستوردة تعطيه اللمعان والجاذبية التي يحتاجها. وعلى الرغم من التوجه نحو تنفيذ مشاريع عملاقة بهدف الاستغناء عن الفرز اليدوي في مصر، إلا أنني أعتقد أن هذه المقاربة محكومة بالفشل، إذ إننا شعب محترم وعريق ولدينا تاريخ فرعوني، ولكن ينقصنا الوعي الاجتماعي الذي يدفعنا لفرز القمامة بشكل صحيح، بالاضافة إلى اعتياد الأجيال السابقة والحالية على وجود جامع القمامة.

Scroll to Top