ـ«ميت كنانة» تتحدى البطالة.. رحلة إلى القرية الوحيدة المنتجة للحناء في مصر

تحقيق: كريم محمد حامد - محمد رفعت أحمد

حطب الحناء في قرية ميت كنانة هى رمز للتراث الأصيل، وحرفة عريقة تشتهر بها هذه القرية التابعة لمركز طوخ بمحافظة القليوبية، وتعتمد هذه الصناعة على نبات “تمر حنة”، الذى يُستخدم حطبه في صناعة العديد من المنتجات اليدوية، ويعمل بهذه المهنة اليدوية المتميزة أكثر من 90% من سكان القرية، ويتم تصدير إنتاج القرية للعالم والوطن العربى.. في السطور القادمة قررنا زيارة القرية لنكشف معا عن أسرار هذه الصناعة، فكان هذا التحقيق:

في البداية تحمل القرية طابعًا ثقافيًا مصريًا، وترمز لحضارتنا العريقة، وتعبر عن الهوية المصرية، ويعتمد الحرفى على مهارته وخبرته التى اكتسبها أثناء عمله بالوراثة والممارسة، باستخدام الخامات البدائية المتوافرة، ليصنع تحفًا فنية تحمل في طابعها عراقة مصر وأصالتها. 

سعينا من خلال هذه الزيارة لنتحدث مع بعض سكان قرية ميت كنانة عن تاريخ هذه الحرفة، والتحديات التي تواجهها، وكيف تساهم في الحفاظ على الهوية الثقافية للقرية، حيث يقول الحاج ياسر محمود، أحد الحرفيين القدامى في القرية, ويبلغ من العمر 52 سنة: هى مهنة قديمة جدا، وتتوارثها الأجيال من الأجداد، ، فالأهالى هنا بالقرية يورثون الصنعة لأبنائهم، ولأن قرية ميت كنانة هى القرية الوحيدة فى مصر التى تصنع حطب الحنة، فعلى الرغم من أنه يزرع فى أسوان، إلا أن أهالى قرية كنانة تتفوق فى هذه الصنعة اليدوية ويقومون بجلب المادة الخام من أسوان.

وأضاف الحاج ياسر، أن هذه المهنة تمر بمراحل مختلفة فى صناعتها، ففى الأول نجمع الحطب ونقطعه، ثم نجمع أعواد نبات التمر حنة من مزارع خاصة في الصعيد المصري ونقطعها لأعواد مختلفة الحجم حسب الاستخدام المطلوب، بعدها نقوم بتجهيز الحطب وتشكيله لقطع، وتجفيف الأعواد وتنظيفها من الأوراق والأشواك، ثم نجمع كل الأجزاء باستخدام خيوط أو براغي، ثم ندهنها ونزينها برسومات ونقوش مختلفة، ونستخدم أدوات تحضير الحناء وهى: الطاحونة لطحن أوراق الحناء المجففة حتى تصبح ناعمة، والمنخل لتصفية الحناء بعد طحنها للتخلص من أي شوائب، ثم خلط الحناء مع الماء أوالزيوت فى وعاء بملعقة، ثم فرشها بفرشاة على ورق الحنة للتزيين، ومقص لقص أوراق الحناء المجففة، وقماش لتنظيف الفرشاة أو مسح أي فائض من الحناء.

وحول التحديات التي تواجه صناعة حطب الحنة بالقرية، يقول الحاج ياسر إن صناعة حطب الحنة لا تواجه أى تحديات أو صعاب، لكننا نواجه في فصل الشتاء قلة ونقص الأيدى العاملة، مع ركود حركة التجارة والعمل بالمناطق الساحلية التى تعتمد على السياحة وتتوقف كثيرا فى الشتاء، ومنافسة السوق، وضعف التسويق.

وأوضح الحاج ياسر أن صناعة حطب الحناء تمثل دخلا إضافيا للعديد من العائلات في قرية ميت كنانة، حيث إنها القرية الوحيدة في مصر التي تشتغل على صناعة تمر الحنة، وأكثر من نصف البلد شغالة فى الصنعة، والكثير من أهالى القرية بعد الانتهاء من عملهم اليومي الرسمي بالحكومة، يعملون بالمهنة لزيادة دخلهم، فضلا عن خلق فرص عمل للعديد من النساء في بيع الحناء والعمل بها في الأفراح، خاصة مع إزدهار السياحة في فصل الصيف.

وأكد الحاج ياسر على ضرورة توفير رأس المال الكافى للصنعة، وشاركه الحديث رجلا كبيرا كان جالسا بعيدا، حيث قال إنه من الضروري الترويج للمنتجات المحلية ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، والمشاركة في الفعاليات المحلية التي تقام للترويج لصناعة حطب الحناء مثل المهرجانات والمعارض، والتدريب لتعليم الصنعة للأجيال وللنساء، كما يجب على الحكومة تقديم الدعم المالي للقرية وللعمال الذين يعملون في صناعة حطب الحناء لمساعدتهم على تحسين أوضاعهم المعيشية، وتحسين الطرق والمرافق العامة بالقرية لسهولة المواصلات فى تحركاتها للسفر لأسوان، والترويج للسياحة في ميت كنانة كوجهة ثقافية مميزة، وسن التشريعات والقوانين لحماية حقوق العمال بالقرية، وضمان حصولهم على أجور عادلة.

أما أسامة ممدوح عبدالعزيز، 32 سنة، من العاملين بالصنعة في هذه القرية، فيقول إنه يجب على أهالى القرية أن يتكاتفوا ويزيدوا الأيدى العاملة لتنميتها وازهارها فهى مهنة يدوية غنية لا تعتمد على ماكينات، بعكس السجاد والغزل والنسيج، حيث إن شق العود أو تنظيف الحجر لا يتم إلا يدويا، ويتم ترويج المنتج محليا داخل مصر كالغردقة وشرم الشيخ، وخارجيا بالدول الأجنبية والعربية. وكانت أول الصنعة عبارة غوص وشبك، ثم تبعها صناعة الشماسى والكراسي ومشنات العيش والفاكهة والخضار، وأقفاص الطيور، وأعواد نبات التمر حنة التى تدخل في صناعة العديد من المنتجات الأخرى، مثل: السلال، واللوحات، والتحف، والديكورات. وغيرها من أدوات الزينة.

وأوضح أسامة أنه يوجد داخل القرية منافذ بيع يمكن شراء المنتجات مباشرة من الحرفيين بالورش بأسعار مناسبة، وكذلك يوجد المعارض المحلية بالقرية، والتى تعرض فيها منتجات حطب الحنة من مختلف الحرفيين، والمتاجر المحلية بالقرية التي تبيع منتجات حطب الحنة، مثل الشماسي، والكراسي، والمظلات، وأدوات الزينة. أما خارج القرية فيوجد محلات الحرف اليدوية في المدن القريبة من القرية، مثل بنها والقاهرة، والجيزة منتجات حطب الحنة من ميت كنانة، وأسعارها أغلى من داخل القرية، كذلك يوجد المعارض الوطنية للحرف اليدوية، وكذلك البيع عبر المواقع الإلكترونية عبر النت حيث توجد صفحة “ميت كنانة لصناعة الحناء، كما يوجد مجلس لمدينة طوخ يمكن التواصل معه للاستفسار عن أماكن بيع منتجات حطب الحنة في ميت كنانة أو عن المهرجانات والمعارض التي تقام هناك. ويتم تصدير منتجات القرية لكثير من الدول العربية مثل السعودية، والكويت، والإمارات، وقطر، وعمان، والبحرين، وغيرها للدول الأجنبية والأفريقية والصين، وذلك لتميزها بالجودة العالية وتصميماتها الفريدة، مما يجعلها مطلوبة بشدة في الأسواق الخارجية.

وبسؤاله عن مدى تأثر سعر حطب الحنة بعوامل العرض والطلب والتكلفة، أجاب أسامة قائلا: ندرة العرض يعمل على ارتفاع سعره، وذلك لأن الحرفيين يضطرون إلى شراء كميات أقل من حطب الحنة، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج، أما وفرة العرض تؤدى إلى انخفاض سعره، وذلك لأن الحرفيين يضطرون إلى شراء كميات أكبر من حطب الحنة، مما يؤدي إلى انخفاض تكلفة الإنتاج. وبالنسبة للطلب:       فإن زيادة الطلب تعمل على ارتفاع سعره، وذلك لأن الحرفيين يضطرون إلى زيادة إنتاجهم لتلبية الطلب، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج، بينما إنخفاض الطلب يؤدى  إلى إنخفاض سعره، وذلك لأن الحرفيين يضطرون إلى خفض إنتاجهم، مما يؤدي إلى انخفاض تكلفة الإنتاج. أما بالنسبة للتكلفة: فإن إرتفاع تكلفة المواد الخام مثل حطب الحنة تؤدى إلى ارتفاع سعر منتجات حطب الحنة، أما ارتفاع تكاليف الإنتاج مثل تكاليف العمالة والنقل تؤدى إلى ارتفاع سعر منتجات حطب الحنة، بينما انخفاض تكلفة المواد الخام يؤدى إلى انخفاض سعر منتجات حطب الحنة، وانخفاض تكاليف الإنتاج يؤدى إلى انخفاض سعر منتجات حطب الحنة.

ويوجد عوامل أخرى تؤثر على سعر حطب الحنة مثل: نوع حطب الحنة، جودة التشطيبات، الموقع الجغرافى حيث تختلف أسعار حطب الحنة حسب الموقع الجغرافي، حيث أن الأسعار في المدن الكبرى تكون أعلى من الأسعار في المناطق الريفية.

وحول التحديات والفرص التي يواجهها عمال القرية في بيع منتجاتهم من حطب الحنة من حيث قلة التوعية المجتمعية بالقرية وأهميتها، وصعوبة الوصول للأسواق، والمنافسة، ونقص المهارات، والتحديات المالية، أكد أسامة أن الحرفيين بالقرية يعانون من قلة التوعية المجتمعية عن قرية ميت كنانة، وما تنتجه، وأنها القرية الوحيدة بمصر التى تصنع حطب الحنة، مما يجعل من الصعب على الحرفيين الوصول إلى العملاء المناسبين، كذلك قلة الترويج للمنتجات بشكل كافٍ في وسائل الإعلام، مما يحد من وصولها إلى جمهور أوسع. ويواجه الحرفيون صعوبة في الوصول إلى الأسواق الخارجية، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف النقل وقلة خبراتهم في التصدير، وقلة المنافذ التسويقية المحلية لبيع منتجاتهم.

وأضاف أسامة أن الحرفيون يواجهون منافسة قوية من المنتجات الصناعية، والتي غالبًا ما تكون أرخص من منتجات حطب الحنة، مع قلة التميز عن منتجات القرية من حطب الحنة التى تتميز بالجودة. لهذا تحتاج القرية لمهارات التسويق الرقمى والتواصل الاجتماعى لمنتجاتها بفعالية، وإلى أيدى عاملة لحرفيين مدربين. كما أن الحرفيين يواجهون صعوبة في الحصول على التمويل المالى اللازم لتطوير أعمالهم، مثل شراء المعدات الجديدة وتوسيع ورش العمل، مع إرتفاع تكاليف الإنتاج، مما يؤثر على هامش الربح.

وحول جهود الدولة ودعمها للتغلب على التحديات التى تواجهها قرية ميت كنانة، طالب أسامة بتعزيز التوعية بمنتجات حطب الحنة من ميت كنانة من خلال المشاركة في المعارض والترويج للمنتجات في وسائل الإعلام، ودعم وصول الحرفيين إلى الأسواق الخارجية من خلال برامج التصدير وتقديم التدريب على مهارات التصدير، وتحسين القدرة التنافسية من خلال تقديم التدريب على مهارات التسويق وتطوير المنتجات، مع تطوير المهارات بتوفير فرص التدريب للحرفيين على مهارات جديدة، مثل مهارات التسويق الرقمي ومهارات التواصل، وتقديم الدعم المالي للحرفيين من خلال القروض والبرامج والمنح.

وقال أسامة إن هناك تأثيرات إيجابية وأخرى سلبية فى صناعة حطب الحنة على البيئة، وتتمثل فيما يلي:

أولا- التأثيرات الإيجابية:

  • استخدام الموارد المتجددة صديقة البيئة كأشجار الحناء.
  •  تقليل الاعتماد على المواد الخام المستوردة مما يساعد على حماية البيئة من التلوث الناجم عن النقل.
  • دعم التنوع البيولوجي، حيث تسهم زراعة أشجار الحناء في دعم التنوع البيولوجي، وتوفر موطنًا للعديد من الحيوانات والنباتات.

ثانيا : التأثيرات السلبية:

  • إزالة النباتات قد يؤدي ذلك إلى فقدان التنوع النباتي وتآكل التربة وزيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
  • استخدام المواد الكيميائية في معالجة حطب الحنة وتصنيع المنتجات، مما قد يؤدي إلى تلوث البيئة.
  • استهلاك الطاقة لمعالجة حطب الحنة وتصنيع المنتجات ونقلها، مما قد يؤدي إلى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ويقول أحمد ممدوح عبدالعزيز،  أحد العاملين بالمهنة، إنه من المفضل، تجنب استخدام المواد الكيميائية الضارة، وتحسين كفاءة الطاقة لتقليل انبعاث غازات الاحتباس الحراري، مع الزراعة المستدامة لأشجار الحناء، والحصاد المستدام لها، مع إعادة تدوير النفايات، وهناك فرص جيدة للتسويق بالقرية من خلال الطلب المتزايد على المنتجات الحرفية ذات القيمة الثقافية، مما يمثل فرصة لمنتجات حطب الحنة من ميت كنانة للوصول إلى جمهور أوسع، مع دعم الحكومة للحرف اليدوية، ما يساعد الحرفيين على تطوير أعمالهم.

Scroll to Top