النقش على النحاس.. صنعة الأنامل الذهبية في خان الخليلي

كتب: يوسف محمد- يوسف سامي- يسى روماني

في قلب القاهرة القديمة بين حارات خان الخليلي الضيقة والمزدحمة، وبالأخص فى وكالة السلحدار، تعيش حرفة صناعة المشغولات النحاسية وتتنفس عبق التاريخ دون استسلام لتغيرات الأزمة والعصور، هذه الحرفة العريقة التي يمتد عمرها لقرون تواصل تحدي الزمن بفضل أيدي حرفية ماهرة تنقش تفاصيلها بدقة وإبداع.. فريق “باب رزق” كان هناك وأعد التقرير التالي.

في ورش صغيرة مغمورة بأصوات الطرق على النحاس يتولد السحر الذي يزين الأسواق والمنازل بقطع فنية تجمع بين الجمال والفن التراثي، وتعكس كل قطعة من هذه المشغولات النحاسية حكاية مميزة تنبض بالأصالة والتراث مما يجعل خان الخليلي ليس مجرد سوق تقليدي بل متحف حي لحضارة عريقة تتحدى النسيان.

يقول محسن فهمي، صاحب أكبر ورش ومحلات للمشغولات النحاسية، بدأت تعلم النقش على النحاس منذ أن كنت صبياً صغيراً في الورشة التي كان يديرها والدي كانت تلك الأيام مليئة بالتحديات، ولكن الشغف الذي زرعه والدي في نفسي جعلني أتمسك بهذه الحرفة بالإضافة إلى استمراري فيما بدأه أبي وجدي.

وأضاف محسن أن كل قطعة ننتجها هنا ليست مجرد منتج للبيع بل هي قطعة من تاريخنا وثقافتنا نحرص على أن تكون كل قطعة فريدة من نوعها سواء كانت طبقاً مزخرفاً أو إبريقاً من النحاس الأصفر أو فانوساً يدوياً يضيء بزخارفه المتقنة.

مراحل التصنيع

وتابع محسن أنه لإنتاج منتجات مثل الصواني والفوانيس والمباخر، يمر العمل بعدة مراحل متتالية، حيث يبدأ العمل بشراء الخامات المناسبة وتشكيلها وفقًا للتصاميم المرغوبة، سواء كانت صينية صدرية أو فانوس أو مبخرة، ويتم ذلك باستخدام “الدقاق” بعد ذلك، يتم التفصيل وتشكيل المنتج بدقة، سواء كان ذلك تفصيلًا على شكل فرعوني أو إسلامي أو حتى روماني، ويتم ذلك بواسطة الترسيب بـ”البرجل” والقلم والرصاص.

ثم يأتي دور عملية “النقش والترميل”، حيث يتم إضافة الزخارف والرسومات التي تُعطي اللمسة النهائية للمنتج، ويتم ذلك باستخدام أدوات معينة، بالتالي، يتم إنتاج منتجات فنية تحمل تراثاً عريقاً تمثل الحرف اليدوية التقليدية بشكل متقن وجمالي وتعكس تاريخ وثقافة مصر من خلال العصور المختلفة.

تحديات الحرفة

وأوضح محسن أن صناعة المشغولات النحاسية تواجه تحديات كثيرة في الوقت الراهن أبرزها المنافسة مع المنتجات المصنوعة آلياً والتي تغزو الأسواق بأسعارها المنخفضة، مضيفًا أن المنتجات الآلية لا يمكن أن تضاهي جودة وروح القطع اليدوية، فنحن نعمل بجد للحفاظ على هذا الفن الحرفي ونواجه تحديات عديدة منها ارتفاع تكلفة المواد الخام وصعوبة الحصول على النحاس الأصلي.

وأكد محسن أن صناعة المشغولات النحاسية ليست مجرد مهنة تراثية بل هي واحدة من العديد من الصناعات الحرفية المتنوعة التي تشمل النقش على المعادن، والأعمال النحاسية كتطعيم الخشب، وشغل الصياغة، وصناعة الأرابيسك، ونفخ الزجاج، والخيامية، وجميع هذه الحرف اليدوية تتوارثها العائلات عبر الأجيال، وتعتمد بشكل كبير على الفن والإبداع في التنفيذ، إضافة إلى الصبر الشديد والإتقان حيث تحتاج القطع الدائرية النحاسية الصغيرة “الصواني” إلى 7 أيام عمل مما يبين قمة الإتقان والصبر في هذه المهنة.

مقترحات للتطوير والاستدامة

وواصل محسن حديثه معنا قائلاً: “أنا أمثل الجيل الرابع في عائلتي وأريد المساهمة في الحفاظ على هذا التراث العريق، ولتحقيق ذلك نحتاج إلى تطوير قنوات تسويق جديدة، حيث إن الحرفيين الحاليين مثلي يعتمدون على الطرق التقليدية في انتظار الزبائن ليأتوا إليهم أو يطلبوا منهم المنتجات ولكن مع توفر الأدوات الحديثة مثل الإنترنت والإعلانات والسوشيال ميديا وطرق التسويق الأخرى، يمكننا أن نبرز ونظهر منتجاتنا وتراثنا الذي نفخر به”.   

ويقترح محسن إنشاء معارض ثابتة في أماكن محددة لعرض هذه المنتجات، سواء محليًا أو دوليًا لكي تنتشر وتظهر بشكل أكبر مثل الاستفادة من السفارات في الخارج، وإقامة معارض في حدائق السفارات أو الملاحق الثقافية، ويمكن أيضًا وضع لافتات كبيرة تعرض معالم مصرية مثل مسجد السلطان حسن أو الأهرامات أو مشاهد من الأقصر، فبهذه الطريقة يمكن لمصر أن تحكي عن نفسها قبل أن يزور الناس المعارض بشكل غير مباشر حتى إذا لم يكن هناك ملحق ثقافي يمكن وضع لافتات كبيرة في حدائق السفارات تبرز تراثنا الثقافي.

رؤية المستقبل

وعلى الرغم من هذه التحديات يبقى الأمل قائماً في عيون محسن وغيره من حرفيي خان الخليلي حيث يقول محسن نحن نعمل على تعليم الأجيال الجديدة هذه الحرفة لكي تستمر، وهناك العديد من الشباب الذين بدأوا في التعلم والعمل في هذه الورش مما يمنحنا الأمل بأن هذا الفن سيستمر في الحياة ويتطور مع مرور الزمن.

جدير بالذكر أن محسن يستطيع التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة، والمثير فى الأمر أنه لم يتعلمها من خلال المدرسة أو حتى من خلال كورسات خارجية بل اكتسبها من خلال الممارسة أثناء تعامله مع العملاء الأجانب.

هل يمكن أن تندثر هذه المهنة؟

نعم يمكن أن تواجه مهنة صناعة السرج تحديات تهدد باندثارها، خاصة في ظل التطورات التكنولوجية السريعة وتغيرات أساليب الحياة الحديثة كظهور السيارات كأهم وسيلة نقل، ومع ذلك فإن تاريخ وثقافة هذه المهنة القديمة تعكس قيمًا عميقة وتاريخًا غنيًا مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من تراثنا الثقافي، فنحن حتى وقتنا هذا نستخدم الأحصنة فى العديد من الأشياء منها كوسيلة نقل والصيد والرقص.  

ما هي أكثر الأشياء التي قل استخدامها فى العقد الحالي؟

تعتبر القطع النحاسية التي كانت توضع على العربية “الكارو” من العناصر التي شهدت انقراضًا تدريجيًا وذلك نتيجة ظهور وسائل النقل الحديثة مثل السيارات الصغيرة والتروسيكل والتوكتوك وهذه الوسائل الحديثة أصبحت تفضلها الناس لنقل الركاب والبضائع بسبب سهولة استخدامها والتحكم بها وقدرتها على السفر لمسافات بعيدة والعديد من المميزات الأخرى، ونتيجة لذلك تأثر الطلب على القطع النحاسية التي كانت تزينها.

ما الذي يميز الحصان العربي من حيث النوع والسلالة؟

الحصان العربي يتمتع بشخصية فريدة وسجل عائلي يشبه شهادة الميلاد للإنسان، حيث يتضمن معلومات عن الأم والأب وسلالة كل حصان له طبيعته الخاصة وأسلوبه الفريد بالإضافة إلى تفضيلاته في اللبس والتزيين، تلك السمات الفريدة تميز كل حصان وتعكس شخصيته وتراثه العريق.

ما هو سبب تعلقك واستمرارك في هذه المهنة؟

على الرغم من المشاكل الشخصية والأسرية، بالإضافة إلى تركيزي على التعليم بشكل كبير فى كلية نظم ومعلومات، إلا أن والدي كان مصدر إلهام بالنسبة لي وسبب تعلقي بهذه المهنة، فوالدي له الفضل بعد الله ولذلك أهتم جدا بسيرة أبي وجدي على المستوى المهني والمستوى الشخصي.

ما هي الصعوبات التي تواجهها فى صناعة السروج؟

يعتمد أغلب عملنا على الحرفة اليدوية، حيث نخصص الوقت والجهد لإنتاج القطع بدقة ودون الاعتماد على الماكينات، فعلى سبيل المثال نقوم بصناعة طقم الصوف بالكامل يدويًا، مما يعكس التفاني في التفاصيل والجودة التي نسعى إليها في كل قطعة، إلا أن التحدي يكمن في الوقت الذي يستغرقه العمل الدقيق والمتقن، وهو أمر يتطلب تفانينا وإصرارنا على الحصول على أفضل النتائج دون التنازل عن الجودة.

ما هو السرج الأفضل المصري أم المستورد؟

السرج المصري أفضل من السرج المستورد بكثير، ولكن ينقصنا اللمسة النهائية، فنحن نستخدم أجود الخامات، وعندنا أفضل الحرفيين، فإن فتحت سرجا مستوردا ستجد فيه “خشب رنجة”، كما ستجده محشيًا بقصاقيص وثمنه ٦ آلاف أو٧ آلاف جنيه، كما أنه أقل في القدرة على التحمل، باختصار “شكل على الفاضي”، ولكن على الجانب الآخر السرج المصري سعره ١٢٠٠ جنيه، ويشمل جميع مستلزمات الحصان، بالإضافة إلى أنه أفضل بكثير من المستورد فى جميع الجوانب، فضلا عن العمر الافتراضي الكبير مما يجعله الخيار الأفضل من حيث الجودة والقيمة، وذلك لا ينطبق على السرج فقط، بل على جميع مستلزمات الحصان.

هل يؤثر ارتفاع سعر الدولار على سعر السروج؟

بالتأكيد يؤثر ارتفاع سعر الدولار على صناعة السروج، حيث تعتمد معظم الخامات والمستلزمات التي نحتاجها على الاستيراد من الخارج، فهذا الوضع يجبرنا على شراء تلك المواد بأسعار مرتفعة مما يؤثر على التكاليف، وينعكس على الطرفين البائع والمشتري على حد سواء، وعلى الرغم من ذلك فإن ضرورة تلبية احتياجات العملاء وتوفير كل المستلزمات تدفعنا لاستمرار الشراء بالرغم من الارتفاعات في الأسعار والمميز فى الأمر أن ارتفاع سعر الدولار قد ساهم في زيادة الطلب على السرج المصري وبقية المستلزمات المصرية حيث أدرك الناس أن الصناعة المصرية ذات قيمة عالية مقابل السعر المدفوع.

Scroll to Top